تستعد مدينة الأخضرية لكتابة موعد مع التاريخ من خلال تكريم رموزها في احتفالية الذكرى الـ63 لعيد الاستقلال، باعتبارها مدينة مجاهدة بصمت على تاريخ وذاكرة الثورة الجزائرية، من خلال بطولات وملاحم خالدة صنع مجدها رموز منطقة "باليسترو التاريخية".

وتُحيي الأخضرية المناسبة ببرنامج ثريّ يجمع بين الطابعين الاحتفالي والتاريخي، ويتضمن العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تعكس البعد الوطني المخلّد لواحد من أعظم أيام الجزائر المجيدة. وتُنظَّم الاحتفالية من طرف جمعية نشاطات السلام الثقافية بالتنسيق مع المركز الثقافي رخوان عيسى، وبرعاية كريمة من والي ولاية البويرة عبد الكريم لعموري، وبمرافقة قطاعات الثقافة والشباب، وكذا دائرة الأخضرية وبلدياتها الست.

وتحمل هذه الذكرى، التي تقام تحت شعار: "فن يجسد.. ذاكرة تخلد"، مشاركة قوية في مجالات الشعر، الأنشودة الوطنية، والفن التشكيلي، إلى جانب حضور مميز لضيوف شرف من داخل وخارج ولاية البويرة. كما تُكرِّم الأخضرية رموزها مجتمعةً في مبادرة تُعد الأولى من نوعها منذ الاستقلال، لتدوّن في سجل المنطقة الثورية صفحة خالدة، بإبداع الجيل الجديد الذي يحمل رسالة الشهداء، وذلك بحضور المجاهد الفنان محمد سليم، صاحب رائعة "إخواني لا تنسوا شهداءكم"، كضيف شرف.

وسُطّرت هيئة التنظيم برنامجًا ثريًا متنوعًا يمتد على مدار أربعة أيام، من 2 إلى 5 جويلية المقبل. ويحتضن المركز الثقافي البلدي، في اليوم الأول، المسابقة الولائية للأنشودة الوطنية بعنوان "على نغم الحرية"، تحت إشراف لجنة تحكيم متخصصة برئاسة الإعلامي الفنان رابح الأصقع، وعضوية الشاعر علي بطاهر، بمشاركة عدة مجموعات صوتية من مؤسسات شبانية وتربوية وكشفية.

أما اليوم الثاني، فسيكون حافلًا بالعطاء الفني من خلال برمجة الورشة الكبرى "ظلال الذاكرة بريشة الحرية"، المخصصة للفن التشكيلي، بتأطير مجموعة من الفنانين التشكيليين من أبناء الأخضرية، وبمشاركة نوادي الرسم التابعة للجمعيات الثقافية والمؤسسات الشبانية بالدائرة.

من جهته، يحتضن مركز الترفيه العلمي الشهيد أوكيل عمر أمسية شعرية بعنوان "وهج الذكرى في حضرة الحرف"، ينشطها نخبة من أبرز شعراء الجزائر، يتقدمهم الشاعر الكبير إبراهيم صديقي، وبمشاركة الشاعر مختار حامة ابن بلدية الزبربر، إلى جانب الشاعر حسين ممادي العائد من تركيا، بعد مشاركته في الدورة السابعة من مهرجان الشعر العربي بإسطنبول. وتُبرمج الأمسية ليوم الخميس 3 جويلية، انطلاقًا من الساعة السابعة مساءً.

ويُخصّص اليوم الثالث للسياحة التاريخية، حيث ينطلق المشاركون في رحلة عبر الذاكرة الوطنية إلى مواقع شهدت معارك ضارية في منطقة "باليسترو التاريخية"، أبرزها معركة جراح المعروفة بـ"كمين باليسترو"، وغار تيزي غير، وذراع تاليوين، حيث استشهد البطل بوعلام بوقري وكتيبته. وقد بلغ عدد الشهداء في هذه المعركة 42 شهيدًا، دُفنوا في مقبرة جماعية لا تزال إلى اليوم شاهدة على بطولاتهم، وتنتظر التفاتة من الجهات الوصية لتشييد نصب تذكاري يخلّد هذه المعركة البطولية.

وسيحمل الحفل الرسمي طابعًا خاصًا، من خلال تكريم رموز منطقة الأخضرية الذين تركوا بصماتهم في تاريخ الجزائر، على غرار الصحفي الشهيد محمد العيشاوي محرر بيان أول نوفمبر، وعائلة الشيخ الحمامي ذات الرمزية التاريخية، وعائلة شهيدي المقصلة عبد القادر ومخلوف فراج. كما سيُكرّم الحفل عائلة المجاهد الهاشمي شريف، أول رئيس دائرة بعد الاستقلال، والذي أُطلق اسم "الأخضرية" على المدينة تخليدًا لاسم الشهيد البطل الرائد سي لخضر، إلى جانب تكريم عائلتي الشهيدتين قبال عائشة وملوك عائشة، وتكريم خاص لعائلة الفنان التشكيلي محمد بوزيد، مصمم شعار الجمهورية غداة الاستقلال، والذي عبّر برمزيته عن رؤية الدولة آنذاك "من ثورة التحرير إلى ثورة البناء".

ويرافق هذه الفعاليات معرض خاص بالمناسبة، بالتنسيق مع المتحف الولائي للمجاهد بالبويرة ودار الثقافة علي زعموم، ويتوزع على أجنحة متنوعة: جناح تاريخي يخلّد ملاحم المنطقة الأولى من الولاية الرابعة التاريخية، وجناح الفن التشكيلي بقسمين، أحدهما مخصص للوحات الفنان محمد بوزيد، والآخر لعرض أعمال فنانين تشكيليين بلوحات وطنية، إضافة إلى جناح "الذاكرة المجسمة" الذي يقدم مجسمات تجسّد معارك الأخضرية والمناطق المجاورة.

وفي سياق ذي صلة، أشاد رئيس جمعية نشاطات السلام الثقافية عبد الغني موحوش بالدور الكبير الذي تؤديه مؤسسات الدولة وقطاعات الثقافة والشباب، والتسهيلات التي مُنحت لتجسيد البرنامج، مؤكدًا حرص الجمعية على مواصلة جهودها للحفاظ على الذاكرة والتراث التاريخي لمنطقة الأخضرية وولاية البويرة، ومشيرًا إلى أن احتفاليات الذكرى 63 لعيدي الاستقلال والشباب تمثل موعدًا تاريخيًا يزاوج بين مجد الجزائر ومستقبلها، ويعكس تلاحم يوم الحرية مع دور الشباب في صون مكاسب الثورة.